top of page

نعم.. عن العنصرية أتكلم

Updated: Jan 26


بقلم : هيا العقيل



لا أدري لماذا أول ما بدأت بقراءة و رؤية الردود القوية في مقتل أحد الرجال السود في أمريكا شعرت بالغضب الداخلي - طبعا لما حدث له - و لكن الغضب الأكبر كان من أشخاص من حولي قد تضامنوا و بقوة مع مقتل هذا الشاب الذين اعتبروا أنه كان ضحية لعنصرية مقيتة، في حين أنّ هناك من هم أقرب منه رَحما و مسافة لإسقاط هذا التضامن معهم لكنه ..لم يحدث!

بدايةً يجب أن نعلم أن العنصرية ليست كما يروَّج لها في الإعلام و في معظم الوقت أنها بين الأبيض و الأسود، نعم أن السود قد نالوا نصيبا كبيرا منها و عانوا من تبعاتها الكثير، إلا أن أشكالها متعددة، و كلما تحضّرنا ظهرت أشكال جديدة منها. فالعنصرية هي أسلوب تربية متوارث بين الأجيال لن يتوقف إلا بقطع حلقة من حلقاته و البدء من جديد، و المسؤول الأول في ذلك كله هو الأسرة.


عندما تعتقد أنك لطيف و إنساني لأنك تعامل الشخص داكن البشرة بهذا الأسلوب اللطيف فهذه عنصرية

عندما تتعامل مع خادمك بفوقية فهذه عنصرية، عندما تخطبين لابنك البيضاء و ليست السمراء هذه عنصرية، عندما تحترم مديرك في العمل و لا تحترم صانع الشاي فهذه عنصرية، عندما تجلس في سيارتك و أنت معافى و تصرخ في وجه العامل المسكين لأنه تأخر عليك لحظات هذه عنصرية، عندما تصرخ في وجه حارس البيت بأعلى صوتك لأنه قد تأخر في الرد عليك؛لأنه كان في الحمام! و تنتظر مديرك الذي تأخر عن موعده معك ساعة كاملة دون أن تتلفظ بكلمة واحدة.. هذه عنصرية، عندما تعتقد أنك لطيف و إنساني لأنك تعامل الشخص داكن البشرة بهذا الأسلوب اللطيف فهذه عنصرية، عندما تقدّم الطعام بناءا على المستوى الاجتماعي لضيفك فهذه عنصرية، عندما تتكلم و تضحك على شخص لإيقانك أنه لن يفهم ما تتكلم عنه فهو لا يتكلم لغتك هذه عنصرية، عندما تتغير نبرة صوتك حين ترى سيارة أحدهم الفارهة هذه عنصرية، عندما تتكلم مع طالب أبوه وزير باحترام و تخذل باقي الطلاب و تكسرهم لأن آباءهم ليسوا من أصحاب المناصب.. فهذه عنصرية!


عندما تصعد إلى الطائرة الأول و غيرك ينتظر في الطابور منذ وقت لأنك من جنسية معينة فهذه عنصرية، عندما تتسهّل معاملاتك لأنك ابن فلان أو ابن عم فلان فهذه عنصرية. عندما تسأل عن قبيلة فلان قبل أن تعرف عنه شيء فقط لتضع معاييرك في التعامل معه فهذه عنصرية، عندما تسأل هل هو متمدن أم فلاح؟ فهذه عنصرية، عندما تُقتل إحداهن بداعي الشرف، ثم يكون منتهِك الشرف ابن عائلة كبيرة فتُخفّف عقوبته أو قد لا يعاقب من الأساس فهذه عنصرية. عندما تنتشر منتجات تبييض البشرة فهذه عنصرية، عندما تملّسين شعر ابنتك منذ صغرها ليكون شعرها ناعما كي تبدو أجمل -من وجهة نظرك - فهذه عنصرية!

أن تفرحي لأن زوج ابنتك يدللها و تشتعلي نارا لأن ابنك يدلل زوجته فهذه عنصرية، عندما تدلل ابنك الذكي و تهمل الأقل ذكاءا فهذه عنصرية، عندما تحدّق النظر بشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة و كأنه مخلوق قادم من القمر.. هذه عنصرية، إذا اعتقدت أنك من أهل الجنة و غيرك من أهل النار فهذه عنصرية.

هذا ناهيك عن المجتمعات و الثقافات و الأشخاص الذين يعانون أكثر من غيرهم جرّاء العنصرية كاللاجئين و النازحين و الذين هم بلا مأوى (Homeless) و الأقليّات و ذوي ديانات معينة في بلدان معينة، و مجهولي النسب و الفقراء و البسطاء، و ذوي الاحتياجات الخاصة و غيرهم الكثير . لذا فالعنصرية ليست فقط بين الأبيض و الأسود كما يروجون لها، و هي ليست في أمريكا فقط أيضا كما يروجون لها، العنصرية موجودة في كل مكان، و في كل مجتمع و في ثقافة لكن بتباين، و أول مكان توجد به و تنبت هو في داخلنا ثم في بيوتنا و فيمن حولنا. العنصرية هي ثمرة من ثمرات الصراع الداخلي فينا بين الخير و الشر، فإن انتصر الخير أثمر لنا ثمارا طيبة يتمتع بها كل من اقترب منها، أما إن انتصر الشرّ فثماره نتنة عفنة نشتم رائحتها عبر المسافات البعيدة، لا بل عبر القارات بأكملها!


لا تغتّر بنفسك و تعتقد أنك نبيل فقط لتعاطفك مع مقتل أحدهم بسبب العنصرية، بل لا بد بداية أن نراجع حساباتنا قبل أن نتعاطف مع أحدهم، كي لا نكون منافقين و نمشي مع التيار العام إن هو انتفض انتفضنا و إن هو أُخمد أُخمدنا


لا تغتّر بنفسك و تعتقد أنك نبيل فقط لتعاطفك مع مقتل أحدهم بسبب العنصرية، بل لا بد بداية أن نراجع حساباتنا قبل أن نتعاطف مع أحدهم، كي لا نكون منافقين و نمشي مع التيار العام إن هو انتفض انتفضنا و إن هو أُخمد أُخمدنا و كأنّ شيئا لم يكن، علّ في موقف عنصري حدث لأحدهم خير لك، علّ ذلك يفتح في نفسك باب مراجعتها من كل عنصرية تمرّ في يومك لم تكن تلق لها بالا، و تفتح عينيك على أشياء كنت عنها أعمى، فإذا كانت الكلمة قد تهوي بصاحبها في النار، فما بالنا بالكلمات و النظرات و التصرفات.


هل من الصعب أن لا نظلم و نمسك أنفسنا عن الظلم؟

أم هي طبيعتنا الفطرية أن نكون طيبين و لا نظلم،. ثم تأتي مجريات الحياة بما فيها من أحداث و أشخاص و مواقف فتزرع فينا بذور الظلم حتى يكبر و يتجذّر في نفوسنا ثم ننقله لا شعوريا للأجيال التي تأتي من بعدنا؟

هل كما قال المتنبي:

و الظلم من شيم النفوس فإن تجد..

ذا عفةٍ فلعلّة لا يظلمُ..


الظلم ليس حكرا على أحد، الظلم موجود في الدنيا منذ أن خلق الله سيدنا آدم حتى يومنا هذا، الظلم في بيوتنا، في مجتمعاتنا، في العالم أجمع، و الأسوأ أنه في ذواتنا! لذا كانت مجاهدة النفس من أصعب أنواع الجهاد التي قد ننجح أحيانا فيها و نفشل أحيانا أخرى، و انتقاد الظلم لا يعني بالضرورة التحسّن نحو الأفضل، ما لم يكن الإنسان على قناعة بأن هناك سلوكيات بسيطة هي التي توصل بعض العقول لهذا الجمود بالتفكير و التحجر و ممارسة الظلم على الآخرين الذي قد يودي بأن يقتل الإنسان أو يغتصب أو يسرق أو يشتم، الإنسان مكلف بأن يحاول تغيير ما يستطيع تغييره نحو الأفضل و هو في ديننا عبادة، لكن "الأفضل" أولى بك و بنفسك ثم الأبعد فالأبعد، ذلك أن الأسهل أن ننتقد الغير لكن الأصعب أن ننتقد أنفسنا، لكن إذا ما فعلنا ذلك عندها نكون قد أمسكنا بداية الطريق نحو التغيير الحقيقي للأفضل.


اللهم عافنا من هذا الداء داء العنصرية المقيتة، و كان الله مع من يعاني منها و بسببها،

و رحم الله من انتُشلت أرواحهم بسببها أيضا!






Commentaires


Subscribe Form

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • Instagram

©2020 by Haya Alaqeel. Proudly created with Wix.com

bottom of page