بقلم : هيا العقيل
أصابني مرض شديد جعلني ضيفة على فراشي لا أغادره إلا للضرورة.. حمّى توقظ جسدي كل حين.. آلام في جسدي توهنه كلما شعرت أني قد بدأت أتحسن فتنكسه أكثر ، تعب و ارتخاء لا أريد معه إنجاز أي شيء، فجسدي محمل بالمرض و لا يريد الحراك و لا يستجيب لأوامري كما هو معتاد
و لكن الحياة تستمر حتى لو مرضت، فإذا جعنا جاءنا الطعام بكبسة زر عبر جوالاتنا و المطاعم المتناثرة هنا و هناك، و إذا عطشت حولي أحباب يساعدوني و يروون عطشي، و إذا اتسخ البيت اتصلت بمن يأتي لمساعدتي
لكن بينما كان جسدي ملقى في مكان ما في البيت، المهم أنه بلا حراك سوى للصلاة و استخدام الجوال عند الضرورة، وجدتني أشعر بالبطر الذي أنا فيه، مريضة و كل وسائل الراحة حولي، و الدواء آخذه كلما تعبت و الطبيب اذا احتجته أجده بسهولة، و هناك من يفعل كل شيء نيابة عني و إن كان بجودة أقل مما أحبه أن يكون.. أخذت أفكر بتلك اللاجئة في مخيم اللاجئين، ماذا تفعل إن هي تعبت و مرضت و انتكست، ماذا تفعل و زوجها لا يعلم أين هو إلا الله، و أولادها خارج الخيمة كلٌّ في مكان ما يلعب بالحجارة بأيدٍ غضة طرية صغيرة بريئة بدلا من الألعاب ( رأيتهم بعيني عند كتابة رسالتي الماجستير والتي تحمل عنوان: العنف الواقع على المرأة إبان الحروب)، فأخذتْ الصور تتكرر في ذهني كلما حاولت إغماض عيني مرسلة بدعوة للنوم العزيز كي يأتي و يؤنسني في وحشتي المرضية، و أنا أتخيّل تعبها و عدم قدرتها على الحراك،، ماذا ستفعل بالأفواه الجائعة إن هي غرّدت منذرة بالجوع، و بعظامها التي تؤلمها و الدواء فارغ بجانبها على الأرض و ليس لديها غيره ، و صوتها اختفى خجلا منها لأنه لا يستطيع أن يسعفها رغم رغبته العارمة في ذلك كي ينادي أطفالها أنه قد حان وقت النوم، و أيدي صغيرة تسحبها في كل اتجاه تريدها أن تلعب معها دون أن تدرك أنها مريضة تحتاج إلى الراحة تماما كما يحتاجون هم في نموّهم للعب
أخذت أخجل من الشكوى و أنا مريضة (خمس نجوم) إن لم يكن أكثر، و كيف أشتكي و نِعم حولي لا تعدّ و لا تحصى، و هي هناك تتألم ومع كل ذلك لسانها يلهج بالحمد و الشكر لله على نعمه
عندما نمرض يجب أن نشكر الله أن ابتلانا بالمرض و التعب و معه سبل الراحة التي قد لا يَنعَم بها الكثيرين في هذا العالم .. و أن لا نبطر بما نملك، و أن نشكر الله أن أنعم علينا بالصحة و اختبرنا بأيام المرض التي لا تقارن بأيام الصحة و العافية
الحمدلله أن منّ علينا بالصحة أياما و أشهرا و أعواما..
الحمدلله أن منّ علينا بسبل الراحة التي تخفف عنّا المرض إن هو أصابنا..
الحمدلله الذي جعل من المرض كفّارة لنا من ذنوبنا إن نحن صبرنا و ابتغينا الأجر، فكما روي في الحديث الشريف:
(ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ) رواه البخاري
الحمدلله أننا عباد رب رحيم لطيف أرحم بنا من آبائنا،
و الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه.. سواه
Comments