عندما تعطي بلا حدود.. يقلّ التقدير
- Haya Alaqeel
- Mar 16
- 3 min read

بقلم : هيا العقيل
عزيزي المعطاء
ذو القلب الكبير
و الابتسامة الحانية
و الكلمة الطيبة
و اليد الباذلة الكريمة
يا من تساند من يترنح
و يا من تنهض بمن يسقط
و يا من تبذل الغالي و النفيس لمن ترك في نفسك طيب الأثر، و لا تنسى الجميل مهما حدث
أنت عملة نادرة .. أنت أغلى من الذهب
أنت أنقى من ماء قد شقّق الأرض و خرج ..
أنت المميّز في زمن بات فيه الكثير نسخ مستنسخة بلا أصل، و لا معدن نفيس، و لا حتى هدف
إن كان عطاؤك من داخلك تفعله مختارا لا مجبرا فأنت في نعيم لا يقدّر بثمن، و إن كان لتحصل في مقابله التقدير فأنت خاسر لا محالة، و كل ما تفعله ليس له أدنى قيمة أو حتى ثمن. لأن الذي تنتظر منه التقدير صدّقني سيعتاد بعد فترة عطاءك، و سيحاسبك إن لم تعطه إياه، و لن يتجاوز عنك تقصيرك بالفضل الذي تفضّلت به عليه، بل قد يطالبك بكل غِلظة وبجاحة بالمزيد، لأنّ ما تقدّمه بعد أن كان كثير أصبح مع مرور الوقت في نظره أقل من القليل، و لا تستبعد أن يُنكر من الأساس أنك قد قدّمت له الكثير أو حتى القليل، لا من قريب و لا من بعيد
لذا احذر و أنت تعطي ألا تعطي كلّك حتى لا تجد نفسك خاويا إن قوبلت بالجحود و النكران؛ ذلك أن الاستمرار في العطاء بلا توازن يجعل الناس تنسى قيمته، تمامًا كما تُنسي الوفرة قيمة النعم، فيبهت الامتنان في قلوبهم و يصبح عطاؤك في أعينهم حقًا مكتسبًا، لا فضلًا تُكرمهم به.
لذا احذر و أنت تعطي ألا تعطي كلّك حتى لا تجد نفسك خاويا إن قوبلت بالجحود و النكران
لا تخسر نفسك منتظرا ثناءا أو تقديرا من أحد..
لأنك نادرا أن تحصل عليه، و لا تعلِّق آمالك على أحد سوى على خالقك الواحد الأحد، حتى لا تخسر نفسك حين يسترخصك و يستصغرك من انتظرت منه أن يكون لك في وقت الشدّة الظهر و السند، و كن من أولئك الذين يحملون شعار (افعل الخير و ارمه في البحر) لأن خالق البحر لا ينسى، عندها لن تندم و سيتساوى عندك التقدير و التقليل لما قد منك بَدر، فالخير يبقى وإن خفي الأثر
قد تتألم إن قوبلت بإنكار الجميل هذا صحيح نعم، لكنك سرعان ما تنهض أقوى، لأنك ابتغيت بعملك رضا الأقوى، فجعَلك ترضى في الدنيا و لجزاء الآخرة لك عنده أعظم و أوفى
التغيير سنّة من سنن الكون..
التغيير في كل شيء..في ظاهر جسدك، و في أعماق نفسك، و في أولئك الذين هم من حولك، و في فصول السنة كل سنة، و في كل شيء منذ أن خلق الله الكون. أفلا تتغير نفوس اعتقدتَ نبلها فتدنّت، و قلوب اعتقدتَ نقاءها فشابت، و نوايا اعتقدتَ أنها تريد لك الخير ثم اكتشفت أنها قد نافقت. هي سمة الإنسان، فإن هذّبها ارتقى و إن دنّسها هوى
هم ليسوا المشكلة أبدا .. لكن عليك أنت أن تتقوّى لتتقبل هذه الحقيقة التي قد تكون في بدايتها مُرّة لكنها ستصبح مع مرور الأيام درسا يحوي تجربة و خبرة و حكمة، تتعلّم منها و تنقلها لأحبابك، أولئك الذين هم من نسلك أو ممن حولك
الحياة تعطي الجميع دروسا بلا استثناء، لكن الفرق هو أن هناك من يتعلم منها فيتقدّم، و هناك من تعطيه نفس الدرس مئات المرات فلا يتعلّم شيئا سوى ندب الحظ، و البكاء، و الحسرة، فيبقى مكانه لا يبرح
امضِ و لا تلتفت لمن قدّمتَ له و تنكّر ..
و أعطيتَ له و لم يشبع..
و قدّرت مشاعره فبخسك قدْرك و لم يندم..
و بذلتَ جهدك لمساندته، و حين احتجت منه أن يسندك لم يفعل..
و كما قال أحدهم: لا تصب ماءك العذب في بحر شديد الملوحة، فلا البحر سيصير عذبا ولا أنت سترى أثرا لتضحياتك..
و تذكر دوما أنك أغلى من أن ترى قيمتك في عين أحد، لأن الأهم هو أن تكون في ميزان الله غاليا، أما ميزان البشر فهو ميزان ناقص مهما حاولوا إيهامك أنه مكتمل
و تذكر دوما أنك أغلى من أن ترى قيمتك في عين أحد، لأن الأهم هو أن تكون في ميزان الله غاليا، أما ميزان البشر فهو ميزان ناقص مهما حاولوا إيهامك أنه مكتمل
أنت لا تستطيع أن تقف عند كل شخص في حياتك بانتظار أن يقدم لك الشكر و التقدير الذي تستحق، و إلا لأصبحتْ حياتك مجرد "محطات انتظار" تقف عندها تتسوّل التقدير، فلا تصحو على حياتك إلا و قد انسابت من بين يديك مشتّتة بلا هدف محدد، و لا تظن أن الخير الذي ابتغيت به وجه الله لا يعود، و قد قال الله في كتابه العزيز ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ سورة التوبة، إنه فقط يأتيك بأشكال مختلفة عن تلك التي قدّمتها به، هي كما قال عنها جلال الدين الرومي: (... خيرات ستعود إليك يوماً ما، والحياة تعيد لكل ذي حقٍ حقه).
كن أنت الأصل الطيب و المعدن النفيس، كن أنت القليل في زمن الكثير، كن أنت الأصل في ذاتك فقد اكتفت البشرية من التقليد.
كُن كما قال تولستوي :
"كن طيباً، واحرص على أن لا يعرف أحدٌ أنك طيب".
و لا تنسى بأن تُعامل الناس بما يُرضي الله.. لا بما يُرضي البشر، و لا حتى بما يُرضي نفسك!
و السلام..
Comments