رسالة من نفسي.. لنفسي
- Haya Alaqeel
- Feb 7
- 3 min read

بقلم: هيا العقيل
لكَم تغيّرتِ يا نفسي..
أطالعك كل يوم لأطمئن على أحوالك، فلا أجدك على نفس الحال
يقلقني هذا، يحيّرني هذا، ويشتتني هذا..
هل أنا السبب يا تُرى، ما أفعل، ما أقرأ، من أرافق، ما أشاهد، من أُتابع، أم هي سنّة كونية في أن أستمر في هذا التغيير حتى نهاية رحلة العمر. أسرح أحيانا فيحملني خيالي إلى ذاك الموقف الذي اعتقدتُ وأيقنتُ فيه بلا أدنى شك أنني على صواب، ويهزّني واقعي على انهيار مدوٍّ لنفس ذاك الموقف والاعتقاد الذي ما عاد يمتّ لي بصلة الآن، دافعتُ عنه في الماضي، واليوم هو لا يستحق مني حتى الالتفات
الكثير من ألغاز الحياة قابل للحل في وقت ما، في ظرف ما، في بيئة ما، في عصر ما، إلا لغز النفس يصعب حله في جميع الأزمان، فهو شبكة مترابطة تصل ما قبلها بما بعدها، تصل باطنها بخارجها، تصل ماضيها بحاضرها، لا بل وبمستقبلها
إليك نفسي أقول:
بعد فترة سأطمئنّ على حالك وسأجدك في حال مختلف، أتمنى أن يكون أفضل، أتمنى أن يكون أجمل..
أتمنى أن أرتقي بك سلّم الخير الحقيقي الذي يقبله الله، لا سلّم الخير "النفاقي" الذي يقبله المجتمع..
أتمنى أن أكون راضية عنك بوجود لا أحد، تماما كما أكون راضية عنك بوجود ذاك الأحد..
أتمنى أن تزيلي عنك كل شيء مزيّف اعتقدتِ يوما ما أنه حقيقي..
وأتمنى أن تحاولي دوما السير نحو الأفضل، وإن كانت هذه المحاولة في أحيان كثيرة قد لا توصلك لما تتمنين، لكن أن تحاولي دوما فهذا في حدّ ذاته نجاح، في حد ذاته مثابرة، في حد ذاته تفاؤل، في حد ذاته مرونة، في حد ذاته... إنجاز
هذا الإنجاز الذي باستطاعة الإنسان تحقيقه إن هو قرّر، هذا الإنجاز الذي بدايته ووسطه ونهايته يتلخص بكلمة السعي، السعي الذي سوف يُرى، السعي الذي سيُلقي في نفوسنا بذور المبادرة والفعالية للاستمرار فيه لأنه سوف يُرى، يُرى من رب الكون بأكمله، الذي ما وضع فينا من روحه إلا ليرى السعي الذي كلَّفنا به في هذه الحياة واقعا ننجزه على الأرض {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأنّ سعيه سوف يُرى} [النجم: ٣٩-٤٠]، وما السعي إلا محاولة للتقدم نحو الأفضل، كلٌّ حسب قدراته وإمكانياته، هو لشخص ما قد يختلف عنه لشخص آخر، لا بل هو يقينا لشخص ما مختلف عنه لشخص آخر
يعني أن السعي هو مهمة الإنسان وليس النتيجة، وأن السعي هو الذي سنُحاسب عنه وليس النتيجة أيضا، السعي مسؤوليتنا والنتيجة من الله عزوجل، السعي واجبنا في البحث عن الحل اتجاه أي تحدٍّ نواجهه في حياتنا.. هو قمة الإيجابية، هو التحرك للأمام، وهو التقدم خطوة نحو الهدف
السعي هو الجهد الذي تبذله النفس والجسد معا في هذه الحياة لتحقيق الأفضل دون توقف
هو الذي يجعل الركود اندفاع، والسكون حركة..
السعي هو الجهد الذي تبذله النفس والجسد معا في هذه الحياة لتحقيق الأفضل دون توقف.. هو الذي يجعل الركود اندفاع.. والسكون حركة..
السعي.. ذاك الذي سيُكتب في صحيفتنا، والذي سنُسأل عنه يوم لا ينفع مال ولا بنون،
هو الذي سيُخلّد ذكرانا فوق الثرى، وتحت الثرى، وعند لقاء خالقنا خالق الثرى
اسعي يا نفسي ولا تيأسي كلما ظهرت بعض العقبات في وجهك، فأحيان كثيرة لا نستمتع بما حولنا من مناظر جميلة وتفاصيل مبهجة، وبشر رائعون يساندوننا لولا وجود مطبّات الحياة التي تؤخّرنا في طريق الحياة السريع، اعتبريها تحدّ لقدراتك التي يستحيل أن تظهر لولا ظهورها، اعتبريها عقبة تهوي بك فتكسر قشور ضعفك لتكشف عن تلك القوة المختبئة الكامنة في أعماق داخلك، قوة خارقة لن تظهر إلا في أوقات عصيبة، في أوقات شديدة، في أوقات اعتقدتِ أن لا نهاية لها. فكما هو الألماس أنتِ، كلما اشتدت الظلمة حوله كلما لمع وازدهر وغلا ثمنه
الحياة تستمر.. والنجاح الحقيقي فيها أن ننجح في النهوض بعد كل سقوط، والمبادرة بالبدء من جديد مرات وليس مرة واحدة، وأن نتذكر أننا لم نُخلق لنخلَّد في هذه الدار هو أساس التغيير والسعي نحو الأفضل، فنعمل ونجتهد على طول الطريق حتى نصل إلى وجهتنا التي نتمنى أن نستقر ونرتاح فيها للأبد
فلتتغيري أيتها النفس مهما شئتِ، علّ هذا التغيير يكون حجّة لك لا عليك يوم ترتقين إلى بارئك، لن أطالبكِ بالمستحيل، فأنت لم تخلقي لهذا ولا أحد من بني جنسك، لكن افعلي فقط كل..كل..كل ما بوسعك فعله ، عندها تكونين كما قالوا قد أخذتي بالأسباب كأنها كل شيء، ثم توكلتي على الله وكأنها لا شيء
وسأهمس لك كل يوم:
تقدمي يا نفسي و لا تتوقفي.. فأنتِ خليفة الله في هذه الأرض و فيكِ من روحه، فإن أصبتِ في طريق الحياة فهذا فضل من الله وإن أخطأتِ فكل ابن آدم خطاء، وباب التوبة ما وجد إلا لندخله بعد كل خطأ فننفض عند عتبته أخطاءنا التي أثقلت كاهلنا راجين الله أن يغفر لنا، ثم نعود لدوامة الحياة خفافا بلا أخطاء متفائلين أننا لن نعاود الخطأ، ثم نخطئ ثم نطرق باب التوبة بثوب الذل والانكسار. ونتوب، ثم نخطئ، ثم نتوب، المهم أن نرجو الله أن تكون التوبة هي المشهد الأخير من مسلسل حياتنا قبل أن تُسدل ستارة الحياة الدنيا للأبد لتكملة ما تبقى من حياتنا في جزئها الثاني هناك في الآخرة.
ما كانت هذه الكلمات سوى وشوشة حنونة... من نفسي لنفسي..
علّها تلمس شيئا ما داخل نفسك
في مكان ما..
وفي زمان ما..
والسلام..
Komentáře