top of page
Writer's pictureHaya Alaqeel

رسالة إلى السيد المزاجيّ


بقلم : هيا العقيل


جائتني طفلة صغيرة غالية على قلبي تشتكي من مزاجية صديقة لها، فأحيانا تكون سعيدة و تتقرب منها تريد صداقتها، و أحيانا أخرى تتجاهلها و تبتعد عنها، و أحيانا تتعامل معها و كأنها لا شيء و إن كانت لتوّها قد لعبت معها و ما بينهما شيء، حاولت أن أحاورها و أناقشها و أخفّف عنها ما تشعر و تمرّ به


و بعد أن أنهينا النقاش تذكرتُ مقال كنت قد كتبته منذ زمن بعيد و كان عبارة عن رسالة لشخص مزاجي حينها، كتبته و نشرته ثم نسيته، لكن مع هذه الطفلة الصغيرة الجميلة تذكرته فبحثت عنه لأنشره ثانيةً بعد أن حرّكت داخلي مشاعر التعاطُف معها، و كان كالآتي:


عزيزي يا من يلقّبونك بالمزاجي، يا من تقلب الجلسات و الجمعات و اللقاءات و تفصّلها على مزاجك، فمتى كنتَ سعيداً نشرتَ السعادة حولك من ذوقك و حبك (المزيف) الزائد و سلاماتك و قبلاتك الحارة التي يصعب تصديقها فقط لأنك "مزاجي"! و أنت نفسك ذاك الشخص الذي يقلب الأفراح و البهجات إلى نكد و كيد و أحقاد دفينة لا يُعلم مصدرها، تجعلها تطفو في الموقف الذي أنت فيه "مزاجي"!، فمزاجك هو من يديرك و تريده أن يديرنا جميعا معك، فما إن سألنا عن السبب و استفسرنا و استفهمنا حتى قالوا عنه: اعذروه إنه مزاجي


عفوا!! مزاجي!! إذا كنت عزيزي المزاجي ستعاملني حسب مزاجك فهل أنت قادر على أن أعاملك أنا أيضاً حسب مزاجي؟ فإن كنتُ سعيداً و راضٍ عنك عاملتك أحسن معاملة و رفعتك أعلى المنازل، أما إن كنتُ غاضبا و مزاجي معكّر فلتتحمل عندها مزاجيتي و نظراتي اللامبالية و سلامي الجاف أكثر من الخبز اليابس، و لتتحمل عندها أيضاً أن أسلّم عليك بقرف و كأني ألمس و أقبّل كيس قمامة لا كائن حي يرقى لدرجة إنسان، و لتتحمل تجاهلي لك بالحديث، و عدم حماسي لأحاديثك إن أنت تكلمت، و تجاهلك متى شئتُ، و إعطاءك ظهري لك لأن مزاجيتي لا تستطيع تحمل رؤية وجهك الباسم الوديع!


لا يا عزيزي من تربّى على الأخلاق يصعب عليه أن يكون مزاجيّ بسهولة، فالإنسان الخلوق يعامل الناس بالقيم و المبادئ و الأخلاق، لا بمزاجيته و ازدواجية شخصيته و تحوّل وجهه و لبس القناع المناسب لمزاجه كل يوم، من تربّى على الأخلاق يصعب عليه أن يكون عديم الأخلاق في مواقف و خلوق في مواقف أخرى، و كأنّ الأخلاق اكسسوارات نتزيّن بها متى شئنا و ننزعها عنا متى شئنا أيضا، الأخلاق مصطلح كبير يصعب أن تخدع الناس فيه، فأخلاقك ستنعكس على تعاملاتك مع غيرك شئت أم أبيت، و سينكشف معدنك النفيس أو الرخيص عاجلا أم آجلا


من تربّى على الأخلاق يصعب عليه أن يكون مزاجيّ بسهولة، فالإنسان الخلوق يعامل الناس بالقيم و المبادئ و الأخلاق، لا بمزاجيته و ازدواجية شخصيته و تحوّل وجهه و لبس القناع المناسب لمزاجه كل يوم

فاحرص عزيزي و أنت تعيش دور "المزاجي" أن تتذكر أن من أمامك يستطيع أن يعاملك بنفس أسلوبك و أسوأ منه لو شاء، لأن قلة الأدب و التصرّف المتسرّع الغاضب أسهل بكثير من ضبط النفس و اللسان و تحكيم القيم و الأخلاق على تصرفات الإنسان، لكن لا بد لك من أن تعرف أيضا شيء هام جدا، و هو  أنني أستطيع أن أكون مرآة لك و أن أكون ردّ الفعل للفعل الذي تصرفته و ترى مني الوجه الآخر الذي لم تعهده، و تتفاجئ من كوني أستطيع أن أعطيك بدلاً من الابتسامة العريضة عقد حاجبين و تجهّم، و أن أعطيك بدلا من السلام الحار و القبلات سلاماً أجف من هواء الصحراء و قبلات تنمّ عن القرف منك بدلا عن الحب و الترحيب ، و أن أتجاهلك ببرود حين تبدأ بالكلام، و أن أستتفهك في عقلي الذي سيُترجم ذلك على عينيّ فترى من خلالهما البرود الذي لا يستفزه شيء و لا هو أساسا يراك حتى يفكر فيك، أستطيع أن أجعلك تشعر بأنك حشرة بأقل من بضع دقائق خاصة أنك إنسان مهزوز يهزّه أي تصرف، فأن أكسرك و أكسر شوكتك و غرورك في لحظات أهون عندي من قضم حبة شوكولاتة بالبندق تلك التي قد تحتاج مني بعض الجهد في الضغط على أسناني حتى أقطعها و حبة البندق سوية و أستلذّ بطعمها الرائع


لكن المشكلة هي أنني لا أتلذّذ في أن أصغّرك و أعيدك لحجمك الطبيعي كي تفهم أن من حولك قادر جدا على أن يعاملك بالمثل، و أرجّح السبب في ذلك أني نشأت في بيت يصعب فيه أن نكسر خواطر الناس أو نتجاهلهم حتى و إن لم يعجبونا


ليس عيب أن تعرف أنك مزاجي، و لكن العيب هو أن تجعل من حولك ضحايا لمزاجيتك و قلّة ذوقك، و لتضع نصب عينيك أن ليس جميع من حولك يقبل بأن يعيش دور الضحية فهناك من سيعيش دور المُدافِع، و قد يعيش دور الهجوم عليك، فالناس ليسو سواسية في ردود أفعالهم كما أنهم ليسوا عبيدا لمزاجيتك. كما أن ليس كل من تقابله سيتحملك لأن ليس كل من تقابله هما والداك اللذان قد يتحملانك أكثر من غيرك من الناس، بل إنك قد تقابل أناس يجعلونك تندم على مزاجيتك معهم في يوم من الأيام، فكما أن لك كرامة فللناس من حولك كرامة أيضا، و كما أن لك فعل مزاجي فتوقّع من غيرك ردّ فعل مزاجي مساوٍ لفعلك في المقدار (إن لم يكن أكبر) و معاكس له في الاتجاه.


فكما أن لك كرامة فللناس من حولك كرامة أيضا، و كما أن لك فعل مزاجي فتوقّع من غيرك ردّ فعل مزاجي مساوٍ لفعلك في المقدار (إن لم يكن أكبر) و معاكس له في الاتجاه.

ما أعرفه حق المعرفة و متيقن منه هو أنك لستّ ممن وصاني ربي بهما في كتابه العزيز حتى أتحملك بكل رضا طلبا للأجر و الثواب


كما أنك لست شريك لحياتي أو أبنائي الذين قد أعيش معهم عمر طويل و أفهم طباعهم و يفهمون طباعي و أراهم أكثر من أي أحد آخر خلال يومي فأتفهّم ما يمرّون به و يتفهّمون ما يمرّ بي، و أتساهل معهم لمعرفتي العميقة بهم و بأخلاقهم و بتركيبتهم الفسيولوجية، و تحمّلهم و إن كانوا مزاجيّين في بعض أوقاتهم الصعبة


أضف إلى ذلك أنك لستَ من صلة رحمي و دائرة القربى التي أؤجر إن أنا حافظت على حبل الوصل معها، ما يعني أنني أستطيع أن أقطعك  دون أدنى شعور بالذنب أو الأسى عليك، و أُريح رأسي من تفاهاتك و غرورك و نفسيتك المريضة التي تبثّ سمومها على من حولها متى شاءت، و تنثر الورود و المحبة على من حولها متى شاءت أيضا!


لكي تكون ضمن قائمة معارفي و ليس أصدقائي لا بد لك أن تُعيد التفكير بما قلته للتوّ، عندها لو فهمتَه و تعلّمتَه و طبَّقتَه فقد ترقى في يوم من الأيام إلى منزلة الصديق و إن كان ذلك بعيدا عنك. و إن لم تُكلّف نفسك عناء التعلّم و ضبط الأعصاب و التحكُّم بمزاجيتك، فلتتلقى عندها نتائج مزاجيتك التي ستنعكس على تصرفاتي و تؤثر على مزاجيتي أيضا، فكما أن لك مزاجا معكرا فبمجرد رؤيتي لك ستنقل لي العدوى و سأعاملك بمزاجي لا بأخلاقي، ليس تخليّا مني عن مبادئي و لكن فقط لأُبرهن لك أنه من الأسهل أن تكون قليل أدب عن أن تكون مثال للأدب.. بعدها سأعود إلى طبيعتي، لكن ليس معك، إنما بمجرد أن أتعامل مع غيرك، و إن كان شخصا يجلس بجانبك كتفا لكتف!

 

و السلام

47 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page