top of page

في لحظة اليأس

Updated: Apr 6, 2023


بقلم : هيا العقيل


أعمارنا: أعوام.. أشهر.. أسابيع.. أيام.. ساعات.. دقائق.. ثوان.. 

ذواتنا.. التي يذوب جزء منها كلما مرّت ثانية، دقيقة، ساعة، يوم بأكمله.. في نهايته تكون نهاية جزء منا لا يعود  

 

تتقلب أمزجتنا عبر الأيام، وأحيانا يكون لليوم الواحد أمزجة متعددة تترنح بين صعود وهبوط، إلا اليوم الذي يتسلّل فيه إلى نفسك بعض من اليأس، أو ذاك الذي يتسلل فيه إليك كله دفعة واحدة، يكون المزاج فيه واحد لا ثاني له، مزاج يائس قانط بائس يتدحرج بسرعة نحو هاوية التعاسة ككرة ثلج! 

 

ويبقى بعض منه أخف وقعا على نفسك منه كله، إذ أن القليل منه لا زال يجعلك تعي ما حولك على الأقل، وإن كان بمزاج وأفكار منكسرة يائسة ترفد أنهار أفكارك التي بدأت تفيض بين جدران رأسك. أما لو جاءك دفعة واحدة فقد ينسيك طعامك وشرابك، بل وحتى منامك، ويقلب حياتك رأسا على عقب إن لم تلجمه بقوة قبل أن يلجمك 

 

في لحظة اليأس.. 


في لحظة اليأس يغمرك الهدوء الذي لا تعلم مصدره، خاصة إن كنت في حياتك اليومية تميل إلى الحركة والجنون في كل شيء، عندها ستلمس الفرق.. وبقوة 

 

في لحظة اليأس.. ينتابك الحنين للغائبين، للأهل، للأصدقاء، للأبناء الذين كبروا وغادروا وحلّقوا خارج السرب وما عادوا يحتاجونك إلا إن هم أرادوا تذوّق الحب غير المشروط، ذاك الذي لن يقطفوه إلا من جنة قلبك 

 

 في لحظة اليأس.. يتساوى عندك الفقر والغنى، فقلة المال ككثرته والعكس صحيح  


في لحظة اليأس.. لن تستطيع أن تشتري السعادة بأي ثمن، لا في الحلّ والترحال، ولا في التسوق والشراء، و لا في جلسات الأصدقاء، و لا حتى في كوب القهوة وإن كنت من عشّاقها في باقي اللحظات 


في لحظة اليأس.. تكتشف من يسأل عنك لنفسه، ومن يسأل عنك لنفسك..  

من يحبك لشخصك، ومن يحبك لإسعاد شخصه..  

 

في لحظة اليأس.. سترفع رأسك لترى من يقف بجانبك، لتُفاجَئ بأنه آخر شخص تخيلت أن يفعل ذلك، وسيفاجئك من وثقت أنه لا يمكن أن يخذلك باختفائه 

 


في لحظة اليأس.. سترفع رأسك لترى من يقف بجانبك، لتُفاجَئ بأنه آخر شخص تخيلت أن يفعل ذلك، وسيفاجئك من وثقت أنه لا يمكن أن يخذلك باختفائه 


في لحظة اليأس.. تظهر المعادن المختبئة في باطن النفوس، فتُميّز النفيس من الزهيد وإن كنت لست خبيرا في المعادن في لحظاتك الأخرى  


في لحظة اليأس تطفو كل محاولاتك الفاشلة على سطح ذكريات محاولاتك، محاولاتك التي تزيد من كثافة وضبابية هذه اللحظة... لحظة اليأس! 

 

في لحظة اليأس.. تتلبّد سماء أفكارك منذرة بجلب ما مرّ بك عبر الأيام من قسوة ومرارة وألم، ولو كان لذاكرتك شاشة لكُتب عليها: احذر يحتوي هذا المقطع على مشاهد مؤلمة، و كأنك ما رأيت سرورا و هناء في حياتك قط! 

 

في لحظة اليأس.. يتكاثر الحزن وترى الفرح يبتعد عنك شيئا فشيئا حتى لا تعد ترى منه شيئا، وتتأجج النيران في صدرك تلك التي ما تلبث أن تُخمد تحت بطانية البلادة، فلليأس قدرة على إخماد كل ما هو مشتعل بداخلك، كل حماس، واندفاع، ونشاط، ولذّة 

 

في لحظة اليأس.. ستشتاق لشخصك القديم، وتقدّر أنك كنت في نعيم لم تراه لكنك لن تدري كيف تستعيده، تستعيد "أنت" القديم، السعيد المتفائل  

 

في لحظة اليأس.. تتساوى الأفراح والأتراح، فتلك النظارة السوداء على عينيك ستجعل جميع الأحداث بلون واحد قاتم يلقي بظلاله عليها فيطمس ملامحها 

 

اليأس.. هذا الشعور البارد الجاف الذي لا دفئ فيه ولا روح ولا طعم، هذا الزائر غير المرغوب فيه، بل وينفر الناس منه، و مع ذلك تجده يحضر بلا استئذان، و بلا دعوة، غير آبه بترحيب من أحد، قد يهاجمك في وضح النهار أو يتسلل إليك خلسة في ظلمة الليل. 

 

اليأس.. رغم مساوئه و كل ما يعيبه إلا أننا قد نجد مع ذلك ما يميّزه، وإنه إن أتى فقد نرى عبر نافذته ما قد لا نراه من جميع نوافذ المشاعر والأحاسيس الأخرى، ذلك أن نافذته تُريك الحياة بزجاج مختلف عن تلك التي ترى من خلالها العالم من حولك عادةً، نافذة تعطيك زاوية مختلفة لحياتك، ترى من خلالها الأمور بصورة مختلفة، بأبعاد مختلفة، و ظروف مختلفة، و أحيانا بوجوه مختلفة أيضا  

 

في لحظة اليأس ستكون في أضعف حالاتك، ستحتاج لإعادة الشحن علّ بطارية حياتك تمتلئ فتعود لسابق عهدها من النشاط والإقبال على الحياة، ستحتاج لشحذ همتك حتى تقاوم ما أنت فيه، لكن بشرط أن تشحذها بنفسك ومن نفسك! 

 

فلا تصدق أن أحدا وقع، ثم نهض، ثم عاود الوقوع فنهض، واستمر على هذا المنوال طوال حياته دون كلل أو ملل أن أحدا من البشر كان خلفه يسانده طوال الوقت، لا تصدق. نعم أنهم سيكونون بجانبك أحيانا لكن ما هو أكيد أنهم لن يكونوا هناك دائما، لظروف طوع إرادتهم أو خارج نطاق إرادتهم، لذا تأكد أنه لن يدفعك بالنهاية إلا أنت ولن ينفض عنك غبار اليأس إلا أنت، ولن يبقى معك للنهاية إلا.. أنت أيضا 

 

في لحظة اليأس سيخيّم اليأس على كل جزء منك، إلا ذاك الجزء الصغير من عقلك، هو فقط من سيحاول مقاومته عبر محاولة استرجاع أي شيء تعلمته في سنين حياتك السابقة عن التفاؤل والإيجابية وحسن الظن بالله وسنّة الحياة وحب الحياة، ولا تستهن به ففي كثير من الأحيان يكون الانتصار من نصيبه، خاصة لو كنت ممن يهتم بشحذ همته بنفسه في هذه الحياة، ويعطي لنفسه ذاك الوقت النوعي الثمين للعناية بها بعيدا عن أي شيء آخر، وقت سيُثمر و يلقي بثماره عليك، و ستولي نفسك بدورها عنايتها الفائقة بك، و تلقي بظلالها عليك لمساعدتك وقت الغرق فيما لا تريد.. حين لا تدري كيف وصلت إليه.

ستكون هي خط دفاعك الأول إن لم يكن الأوحد لاسترجاعك لما كنت عليه، لتعيدك إلى رشدك ولتضع النقاط على الحروف، ولتجعل ما مررت به مجرد خبرة تتعلم منها لا أكثر، بدلا من أن تصبح حالة يأس تحت المجهر يتهامس بها الناس بعيدا عنك دون عناء مد يد العون لك، عندها فقط تكون قد جعلت اليأس درسا تتعلم منه معنى الحياة مدى الحياة، بدلا من أن تجعله يلوّن لك حياتك بألوانه التي لا تتناسب و موضة نفسيتك وطبيعتك المنتعشة التي تأبى أن تسايره في آخر صرعاته.. فتعود لتوازنك ورشدك قبل الانزلاق في أعماقه أكثر شاكرا لطف الله بك أن عافاك منه قبل فوات الأوان  

 

 يقول أحد علماء النفس: 


(وعندما يصبح كل شيء فوضويا وغير يقيني فإن كل ما يتبقى لإرشادك قد يكون هو الشخصية التي بنيتها من قبل، من خلال محاولة الارتقاء والسمو، وكذلك التركيز على اللحظة الحالية. وإذا كنت قد فشلت في ذلك، فسوف تفشل في لحظات الأزمات، وعندئذ، ليكن الله في عونك).  

 


في بعض لحظات اليأس تولد قرارات ما كانت ستتمخض عنك ومنك لولا تلك البذور السوداء التي ألقتها الحياة في رحم ذاتك الذي كنت تجهل خصوبته، فتنبت شجرة من الجمال والقوة والنجاح والأمل ما كنت معتقدا أن تكون أنت صاحبها وقاطف ثمارها.. عندها فقط ستذكر لحظة اليأس على أنها نقطة البداية لكل قصص الأمل والحب والاستمرارية والنجاح، ذاك الذي يعدي بعضه بعضا.. وستكون هي نفسها ملاذك الآمن الذي تلتجئ إلى ظلها كلما هاجمتك أشعة اليأس فتجمع شتات نفسك وتستجمع قواك تحت أغصانها التي شهدت سقوطك ونهوضك مرات عدة وليس مرة واحدة فحسب، ثم تنهض بعدها لاستكمال ما تبقى لك في هذه الحياة ساعيا للأفضل في كل شيء.. شعارك فيها: (وأن سعيه سوف يرى).. فتسعى حتى تصل لخط النهاية وتنهي رحلتك الأرضية 

 

علينا أن نتماسك و أن نحيا بقوة، و بعزم، و نشاط، و أن لا نستسلم لمصاعب الحياة - التي هي سنة الحياة - بسهولة، فلو استسلم الجنين عن الاندفاع للحياة لعلق في رحم أمه قبل أن يرى بصيص النور، و لو استسلمت الأم لآلام الولادة لما حملت و وضعت و استمرت الحياة، و لو استسلم الناجحون لمحاولاتهم الفاشلة لما تمتعنا بنتائج هذه المحاولات و لذهبت نجاحاتهم الكامنة فيهم معهم إلى القبور، و لو استسلم العاصون لمعاصيهم لما تذوقوا حلاوة التوبة و العودة إلى الله، و لو استسلم الرسل و الأنبياء لصدود أقوامهم لكنا نعبد ما يعبد آباؤنا بلا تفكير و لا تمحيص، و لو لم يحسن الإنسان الظن بالله و قاوم الهم و الحزن الذي يسعى الشيطان لجعله فيه لذاب و استسلم في البؤس و الحزن و الهمّ الذي لا يتوقف حتى يتأكد أنه قد شدّك لأعمق بقعة مظلمة سحيقة فيه


وكما يقول الدكتور مصطفى محمود: 


(وقد وضع الإسلام الأسس الثابتة للصحة النفسية، وذلك بالصبر والتوكل والتسليم والتفويض والحمد والشكر بعد الاجتهاد وبذل الوسع. 


" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " 

 

" عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم " 

 

" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمةِ الله إنَّ الله يغفر الذنوبَ جميعا " 

 

" لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " 

 

وذلك هو الطب النفسي الإلهي الذي عجز فرسان الطب النفسي المادي أن يلحقوا به.. والذي مازال هو الباب الوحيد للسكينة والأمن حينما تُسَد جميع الأبواب...) 

 


نحن من قَبِلنا حمل الأمانة حين أبت السماوات والأرض و الجبال حملها، و الله يعلم أن فينا من القوة ما يجعلنا أهلا لهذه الأمانة إن وظفناها في مكانها الصحيح و توكلنا عليه حق التوكل

نحن من قَبِلنا حمل الأمانة حين أبت السماوات والأرض و الجبال حملها، و الأمانة لا يحملها الضعفاء اليائسون بل يحملها الأقوياء المحسنين الظانين بربهم الخير، و الله يعلم أن فينا من القوة ما يجعلنا أهلا لهذه الأمانة إن وظفناها في مكانها الصحيح و توكلنا عليه حق التوكل، الحياة لا تتحقق بالأماني بل بالسعي و العمل و التوكل على الله و بعدها فكل شيء هو خير لنا و إن كان في ظاهره شر محق، فربّنا العليم يعلم ما هو خير لعباده من عباده 

 

والسلام..  



Comments


Subscribe Form

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • Instagram

©2020 by Haya Alaqeel. Proudly created with Wix.com

bottom of page